المادة    
وهنا -وأرجو عدم المؤاخذة على الاختصار الذي نضطر إليه- ندخل في قضية ما يمس الأمة الإسلامية بالذات وبالنص:
الولايات المتحدة الأمريكية يهمها أولاً استرضاء إسرائيل، لأن اللوبي اليهودي مسيطر عليها، كما على الطرفين طبعاً، فهو وسيلة ضغط على الاتحاد السوفييتي وعلى أوروبا الشرقية.
أولاً: تغيير الموقف من إسرائيل، وجورباتشوف يقول: نحن من الدول التي أسست إسرائيل، يقول هذا في إعادة البناء، وليس لنا موقف معادٍ لإسرائيل، ونؤمن بحق إسرائيل في الوجود، لكن لا توجد علاقات أو مواقف سياسية معروفه معلنة في الأمم المتحدة، أو الفيتو.
الآن أمريكا والغرب تضغط على الاتحاد السوفييتي، ودول أوروبا الشرقية لهجرة اليهود الروس، وهي هجرة فضيعة جداً، وعلى غفلة الأمة الإسلامية وعلى غفلة الأمة العربية استيقظت لما رأت هذا الخطر المحدق، وأصبحت على ألسنة جميع الناس تقريباً، والصحافة العربية والإسلامية، وهي مسألة الهجرة اليهودية، لأنه كما أعلنت منظمة التحرير وهي المصدر الرسمي على أية حال، ما تعرضت له الانتفاضة في فلسطين، أنه أكثر من عشرة أو اثني عشر ألف جرحى، يقارب العدد ستين ألفاً بين جريح وسجين وقتيل، وثلاثمائة ألف حالة إجهاض متعمدة من اليهود لإجهاض النساء المسلمات في فلسطين يقابل ذلك هذه الأيام بالمعدل الذي أعلن، معدل ثلاثمائة يهودي سوفيتي يصلون يومياً إلى فلسطين، ففي عامٍ وصل قرابة خمسة وسبعين ألف يهودي، وهم يزدادون عاماً بعد عام، لا شك أنه وجود بشري مكثف.
قرأنا أن إسرائيل بنت مائتي ألف وحدة سكنية جاهزة لاستقبال اليهود من أوروبا الشرقية، أي إذا افترضنا تقديرياً أن الأسرة تتكون من خمسة أفراد فمعنى ذلك أن مليون يهودي سيصلون إلى الأرض المحتلة فلسطين الإسلامية، وسيسكنون في المناطق التي فيها وجود إسلامي، والتي يوجد فيها العرب.
أما بالنسبة لـأمريكا، فمن مصلحة أمريكا من الناحية الاقتصادية أيضاً التغلغل داخل الاتحاد السوفييتي وإمداده، وبناء وإنشاء المشاريع، والشركات الأمريكية تضغط -كما هو معروف- على الحكومة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي مفتوح كما تبين الآن لمشاريع رهيبة تربح وتجني منها الشركات الأمريكية أرباحاً خيالية كبرى.
  1. العدو المشترك بين الشرق والغرب هو الإسلام

    أهم من هذا كله: العدو المشترك للشرق والغرب الذي لا بد أن يتوحدوا ليقفوا أمامه.
    أرنلد توينبي أكبر مؤرخ غربي في العصر الحديث يقول: ''نستطيع أن نتحاور مع الشيوعية (وهذا في فترة الحرب الباردة)، نستطيع أن نتحاور مع كل دين إلا الإسلام، فإنه يضل العدو الأبدي لنا'' هذه كلمة مفكر، أما الساسة فيعلمون ذلك وأكثر. وأذكر مثالين على ذلك:
    الأول: حدث في الجزائر أن خرجت ثلاثة آلاف امرأة شيوعية بمظاهرة، يطالبن بإلغاء دستور الأسرة؛ لأنه ينص على شيء من الشريعة، فقامت الرابطة الإسلامية، وهي امتداد لدعوة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمة الله عليه، وأخرجت قيل: خمسمائة ألف وقيل مليون امرأة مسلمة محجبة، ورفعن شعارات -وأنتم رأيتم جميعاً صورهن في الصحف- احكمونا بالإسلام، لا نريد إلا الإسلام، لا نريد إلا القرآن، ففزع الشيوعيون وغيرهم فزعاً رهيباً، ليس هذا هو الشاهد، بل الشاهد أن الرئيس أعلن أنه إن وصل الأصوليون إلى الحكم في الجزائر، فسأضطر للتدخل عسكرياً، كما تدخل بوش في بنما.
    الثاني: وهو ما حصل في اليمن الجنوبي، حدث قد ينظر إليه أنه بسيط ونشرته الصحف، أنه قامت فتيات المدارس الثانوية، بمظاهرات يردن الفصل عن الطلاب ويردن الحجاب، وكان استنفار شديد فضيع من السلطات الشيوعية لهذا الحدث.
    لأنه طولب بإلغاء مادة التربية الرياضية في المدارس، وطولب بالفصل بين الذكور والإناث، وطولب بالحجاب، لقد كان شيئاً فضيعاً جداً لا يمكن أن يتخيله العقل في دولة كانت ماركسية حرفياً، وآخر من استجاب لعملية إعادة البناء.
    وبالمناسبة خذوها عابرة وهي أن ما أراد جورباتشوف أن يطبقه في روسيا من التوحد مع الغرب تحت ستار إعادة البناء، بدأت الدول الشيوعية أو الدائرة في فلك جورباتشوف، تحاول أن تتوحد مع الجيران مهما اختلفوا معهم، وهنا تأخذون العبرة، واللبيب بالإشارة يفهم.
    هذان الحدثان يعطيان قناعة أن العالم الصليبي الأوروبي، يكن الحقد الشديد على الإسلام.
    بدأت العملية في أمريكا بطريقة غريبة، مع ما نشر وما ينشر من حقد على الإسلام لكنه كان محصوراً في المثقفين تقريباً، كيف استطاع الأمريكان أن يجعلوا هذا الحقد الدفين على الإسلام يتوقد بطريقة شعبية؟
    قاموا بإنتاج أفلام خيالية بحتة على مدى ثلاث ساعات أو أربع ساعات تتحدث عن مستقبل أمريكا، منها: فيلم مشهور، كيف إذا هاجم الاتحاد السوفييتي أمريكا-مثلاً- وانتشر وبيع أكثر من مائة مليون، ومعه أفلام أخرى، نهاية أمريكا تكون على يد رجل راكب جمل معمم، من أتباع محمد، ويأتي ويحتل أوروبا، ثم يدخل إلى أمريكا ويدمر الحضارة الأمريكية، وهكذا يكون المضمون واحد، وهذا يؤدي إلى أن الشعب يظل في مخيلته هذه الفكرة وإن كانت قصصاً وحكايات ولكن باللاشعور يترسب أن هذا هو العدو، وأن هذا هو الخطر.
    وللعلم هذا - أيضاً - حدث في عام (1983م) أن الاستخبارات الأمريكية موَّلت أكثر من مائة وعشرين ندوة لدراسة الصحوة الإسلامية، أي: أكثر من معدل ندوة كل ثلاثة أيام، لدراسة الصحوة الإسلامية في معظم أنحاء العالم.
    فالغرب والشرق حذر من العدو الأساسي وهو العالم الإسلامي، فكيف نتوقع إذا توحد الشرق والغرب؟
    أعني أن أمريكا أمام هذه الأمور ستتوحد مع الغرب نوعاً ما، أقول: لا نفرض صورة الاتحادات، ولكن سيصل الأمر إلى أن ألف مليون على الأقل من الصليبيين من أوروبا شرقها وغربها وأمريكا ستصبح وفق إرادة واحدة، وقرار واحداً بأي شكل اتخذ هذا القرار فليس مهماً، وذلك للوقوف في وجه هذا العدو الذي بدأ يستيقظ، وبدأ يهدد العالم الغربي كما يقولون.
  2. ما هو مستقبل العالم الإسلامي في ظل التحزبات الكفرية

    كيف يكون مستقبل العالم الإسلامي في ظل هذه العملية إن استمرت الأمور كما هي عليه الآن، مع غفلة الأمة الإسلامية، مع ما تعانيه من التبعية السياسية والاقتصادية والفكرية، ومع ما تعانيه من الفرقة والانقسام، ليس على مستوى الشعوب، ولا على مستوى الحكومات؛ بل على مستوى الدعاة.
    لا توجد دعوة إسلامية على الأقل موحدة لتواجه هذا الخطر، كيف نتصور وضع العالم الإسلامي عندما يكون القرار الدولي واحداً، وقد كنا نعاني الأمرَّين وهو مختلف، فنوعاً ما يستطيع الناس في ظل الاختلاف الدولي أن يجدوا ثغرة أو منفذاً، أو على الأقل نشراً للأخبار إن انتهكت روسيا فتنشر أمريكا أحياناً، أو العكس، فأمور الخلخلة السياسية قد تعطي شيئاً من الانفتاح الذي قد يعطي بعض الاطمئنان.
    لكن كيف لو توحد هذا العالم وهو مقدم على ذلك؟
    هنا سيكون المستقبل خطيراً جداً، وأنا أترك النتيجة والتحليل الأخير لكل إنسان، لأني قلت: المهم لدي هو أن تتضح الصورة، وأن يتضح هذا الخطر الداهم، ولكن هذا لا يمنعني من أن أطرح ما وصلت إليه من وجهة نظر؛ لعلها تكون لبنة على ما ستصلون إليه -إن شاء الله- في تحليلكم الأوسع أفقاً ونظراً مني.
    مستقبل الأمة الإسلامية قريب، الأحزاب الاشتراكية، والأنظمة الشيوعية، والأنظمة الاستبدادية الشمولية -كما تسمى- سوف تنتهي -فعلاً- وتختفي، وسوف يشهد العالم الإسلامي - على تحليلي الشخصي- انفتاحاً أيضاً قريباً من الانفتاح الذي في أوروبا الشرقية، ولكن لحساب من؟ هنا المشكلة.
    قد يسمح لبعض الجماعات والدعوات والحركات الإسلامية، التي لها وجود شعبي بأن تشارك جزئياً في الحكومات الديمقراطية، التي ستقوم على أنقاض الحكومات الشمولية الموجودة الآن في العالم الإسلامي.
    سوف تنفتح العلاقات بشكل أكبر، لأن الحرج ارتفع بالنسبة لـروسيا، وهو مرتفع من قديم طبعاً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فسوف يكون الغزو الثقافي والاقتصادي والتبعية بشكل أكبر، وهنا سيجد العالم الإسلامي نفسه منقسماً إلى قسمين رئيسين تقريباً: قسم سيفرح بالوزارتين أو الثلاث الوزارات، أو بعض النقابات، وينسى القضية الأساسية ويندمج في هذا الواقع، ومع الزمان سوف يرى أنه في النهاية سيخسر قضيته كلها.
    القسم الآخر وهو الطبيعي ولا بد أن يوجد الطرف الذي يسميه الغربيون "الأصوليون، المتشددون، المتزمتون" إلى آخره، لن يرضى إلا بالإسلام الواضح الجلي الكامل النقي، وهذا القسم أمامه أحد احتمالين: إما أن يقضي عليه القسم الأول، لأنه لن يتدخل الغرب وقد أخذ الدرس الرهيب في أفغانستان وفي غيره، ولن يتدخل بشكل مباشر؛ بل حتى عقائدياً لا أتوقع أن يتدخل الغرب؛ لأنه لو جاء بـالشيوعية أو الاشتراكية الوجودية، أو أي فكرة لتقاوم، فلا يمكن أن أي إنسان عرف منهج الكتاب والسنة أو كما يسمونه الأصولية أن يصدق أي فكرة غربية، فالحصانة تلقائية لا يمكن أن يفكر فيها الغرب، لكن ربما تنجح.
    نقول: إما أن يقضي عليه الغرب بواسطة الطرف المعتدل -كما يسمى- الذي يؤمن بالموديل إسلام، إسلام الموضة والإسلام المتطور.
    التوقع الثاني: أنه تسيطر هذه الدعوات السنية -التي تعتمد منهج الكتاب والسنة- ويكون لها قوة، وتملك زمام الأمور، فماذا؟ فالنتيجة إذا لم يستطع الغرب أن يقضي عليها عن طريق الحركات الداخلية فإنه لا بد أن يتدخل الغرب عسكرياً، كما أنذر وتوعد ميتران وغيره، لأن الغرب سيجد أنه لا مفر له من المواجهة.
    هل في إمكان الغرب أن يواجه بالغرور، والكبرياء، والتكنولوجيا المتفوقة، وحرب النجوم.... إلخ؟
    كل ذلك يهيئ للغرب الاشتباك المباشر، والإنزال المباشر في الأرض الإسلامية.
    وستكون النتيجة إذا حصل الإنزال المباشر أن الأمة الإسلامية تهب هبة رجل واحد، وتتفانى وسيخسر الغرب في هذه المرحلة -لو حصلت طبعاً- الطرف الذي يسميه المعتدل، أو أكثر.
    وعلى أية حال سوف تستيقظ الشعوب، وسوف تكون هناك مواجهة عامة كما حدث في أفغانستان وهذا مثال بسيط وواضح، وقضية واضحة لكم والحمد لله.
    لو أن أيام الملكية بقيت لسيطرتأمريكا على الأوضاع في أفغانستان عن طرق الملك والحكومة الملكية الفاسدة الموجودة البعيدة عن شرع الله والاهتداء بهداه، وتحقق كل شيء لـأمريكا من خلاله، لو أن ذلك حصل لم يكن لدى الشعب الأفغاني المسلم هذا الوعي الآن بالأحداث والخطر، ولن يكون هذا الجهاد طبعاً؛ لأن الذي حصل كان نتيجة العدوان المباشر بالإنزال المباشر، فهب الناس هبة رجل واحد، والحمد لله.
    إذاً سيستثار العالم الإسلامي، والغرب المتفوق تكنولوجياً ستدفعه هذه القوة والحقد الصليبي إلى القضاء المباشر، والإنزال المباشر لجيوش غربية.
    وليس سراً أن أكثر من مائتين وخمسين ألف جندي أمريكي يتدربون في صحراء وسط الولايات المتحدة الأمريكية، للتكيف مع المناخ الصحراوي، وهؤلاء معدون لأي إنزال سريع في أي وقت من الأوقات، وهذا شيء يعرفه العالم كله.
    والأساطيل تملأ جميع البحار والخلجان والمنافذ، والإنزال هذا بأبسط ما يمكن ستكون مواجهة حاسمة عليها.
    الوضع مخيف جداً ولا بد أن نأخذه مأخذ الجد.
    ولكن لا بد من قضية أذكرها وأختم بها: نحن لا نتمنى لقاء العدو كما أرشد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن أنفع وأجدى للإسلام المواجهة المباشرة مع الغرب، من وجود أنظمة نفاق، وإسلام أمريكاني، أو إسلام مروض كما يقال.
    هذا أنفع للمسلمين وأسرع لليقظة، وآثار الحروب الصليبية أكبر دليل على ذلك، فإن الهجمة الصليبية أيقظت الأمة الإسلامية. وسأذكر أثراً واحداً:
    عندما قدمت الحملة الصليبية الأولى، كان في دمشق وهي أكبر مدينة إسلامية في بلاد الشام التي استهدفها الصليبيون مدرسة واحدة شرعية، كأنها كلية باعتبار ما نحن فيه الآن، لكن عندما قام صلاح الدين كان ما يقارب مائة مدرسة في دمشق؛ لأن العلم بين الشباب أهم شيء، فهو يؤدي إلى أن الأمة تعي وتعرف إلى أي شيء ترجع، إلى الدقة العلمية والتحليل العلمي والمواجهة العلمية.
    كان على ميمنة صلاح الدين ابن قدامة رحمه الله صاحب المغني.
    وكان من العلماء الأفذاذ الذين واجهوا التتار، شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية والذي كان في وسط المعمعة، ويرفع الحماس.
    والمقصود أن الأمة استيقظت بعد القرن الخامس، قرن الهبوط، وقرن الموت، وقرن الضعف القرن الذي سيطرت فيه الرافضة على العالم الإسلامي، وسيطرت فيه الباطنية، ثم يعقبه بعد ذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية فكانت تلك الحياة العجيبة.
    الآن الأمة الإسلامية على أي ثقافة تعيش؟
    على أي علم تعيش؟
    بعد علم السلف طبعاً بعد كتب الأصول والحديث القديمة، لكن انظروا لمن تقرأ؟
    إنها تقرأ لـابن تيمية، ولـابن قدامة، ولـابن حجر ، وللنووي، وللذهبي، وللمزي، ولـابن كثير، ولـابن رجب سبحان الله! متى ظهر هؤلاء الأفذاذ؟ لقد ظهروا بعد مرحلة الحروب الصليبية والتتار، أي: بعد أن استفزت واستنفرت الأمة الإسلامية وأظهرت قيادات.
    ظهر صلاح الدين وهو رجل جدد سيرة الخلفاء الراشدين، وظهر نور الدين محمود، وهو رجل أحيا سيرة الخلفاء الراشدين، وللأسف غفلت عنه الأمة وعن عماد الدين وغيرهم.
    فظهرت قيادات سياسية وعسكرية وعلمية، وعادت الأمة من جديد، وقاومت من جديد.